حول الخطاب الوطني الفلسطيني والتحرر الوطني الحقيقي

رجاء ناطور

إن تحرّري الوطني وتحرّر بنات وأبناء شعبي لا يشمل سيارة جيب تجوب شوارع غزة مسرعة وعلى مقدمتها امرأة يهودية نصف عارية!

"نحن الفلسطينيين لسنا مذنبين بأي شيء، وبالطبع لسنا مذنبين بعملية القتل هذه، التي أودت بحياة أكثر من 1200 مواطن ومواطنة إسرائيليين أبرياء. الاحتلال بالنسبة لنا هو مصدر كل شر ودمار: ״ماذا كنتم تتوقعون أن يحدث بعد عقود من الإغلاق والقمع والإهانة وضياع الكرامة الإنسانية؟ ماذا كنتم تتوقعون أن يحدث بعد أن اخترق الفلسطينيون الذين فقدوا كل شيء السياج؟ أن يحتضنوكم؟" هذا ما هو متوقع مني، كصحافية فلسطينية، أن أكتب اليوم تحت وطأة اليد الثقيلة للخطاب الوطني الفلسطيني الذي يُخرس كل نقد ومنطق وأخلاق أساسية، ويثبّتنا كفلسطينيين، سياسيا وسرديا، في دورين رئيسيين: قاتل أو مقتول. ففي نهاية المطاف، نحن الضحايا المطلقون، وبالتالي فإن كل شيء مسموح لنا. أليس كذلك؟

وهكذا تمكن حماس في سبت العاشر من أكتوبر من تحويلنا، نحن الفلسطينيين، إلى قتلة. ليس فقط ضحايا عاجزين. هذه المرة فعل ذلك بطريقة رسمية ومتقنة، لا تُغلب ومقنعة ومثيرة (في نظر بعض الناس) للفخر. إلى حد أننا كمجموعة فلسطينية لم نكلّف أنفسنا حتى عناء التلعثم أو تغطية أفعالنا، كما يفعل الجيش الإسرائيلي، قدوتنا. نعم، لقد أصبحنا قتلة من خلال عمل متعمد وتكتيكي ومحدد التوقيت ومدروس بقيادة حماس، الذي أصبح فجأة الممثل الفلسطيني المطلق الذي يقود حملة التحرّر الوطني الفلسطيني بأجندة لا يعرفها سواه.

في هذا الخطاب الوطني، نحن الفلسطينيون، ضحايا الاحتلال الإسرائيلي المطلقين، لسنا قتلة – نحن نرد فقط على القمع الذي تمارسه علينا دولة إسرائيل وجيشها. لذلك، فإن مقتل أكثر من 1200 شخص بريء، من وجهة نظرنا، هو مجرد رد فعل آخر، وتنفيس، وتخفيف للضغوط، وقبل كل شيء – شرعيّ، لأننا، مثل إسرائيل، لدينا الحق في الدفاع عن أنفسنا بلا حدود وبأي ثمن. ففي نهاية المطاف، في الحرب كما في الحرب، لا ينبغي لنا أن نطرح أسئلة أخلاقية أو مبدئية. الأسئلة الأخلاقية تخرّب أهدافنا الوطنية الفلسطينية. أليس كذلك؟

Israel at War

هذا القتل له دور مصيري

وبطبيعة الحال، كل هذا هراء أخلاقي وسياسي. ليس فقط لأن هذه العملية تحديدا كانت مخططة بشكل جيد، على المستوى العملياتي-الاستراتيجي وهدفها كان التسبب في مذبحة هائلة ولا شيء غير ذلك، ولكن في الغالب لأن هذه المرة، وبمساعدة الجناح العسكري والإعلامي لحماس، كان لهذه الجريمة دور مختلف ومصيري.

لقد تم استغلال هذا القتل وتحوّل إلى نصر فلسطيني عربي شامل، ومن خلاله، إذا جاز التعبير، أعدنا كفلسطينيين لأنفسنا وللعالم العربي العزّة والشرف والانتصاب الوطني الذي فقدناه عامي 1948 و1967.

نعم، لقد قلبنا المعادلة رأسًا على عقب! لقد غيّرنا ميزان القوى بين الفلسطينيين والإسرائيليين! نجحنا في كيّ الوعي الإسرائيلي بالهزيمة وقمنا بتقويض الحصانة الوطنية الإسرائيلية بشكل كامل. نحن رائعون!! لن نُغلب! وفوق كل شيء، حوّلنا الرواية الفلسطينية والعربية العامة المهزومة والانهزامية إلى رواية منتصرة من خلال القتل الجماعي والمتعمد وخلقنا وعيًا منتصرًا.

هذه المرة فقط، وعلى عكس الحالات التي حدثت في الماضي، ترسّخ هذا الوعي المنتصر في أذهان العديد من الفلسطينيين والعرب في العالم العربي كعملية نتجت وستسمر بالتشكّل في المستقبل فقط نتيجة للمذبحة والقتل وسفك دماء الإسرائيليين.

أصابعي ترتجف ولكن لا مفرّ من ذلك، من واجبي كشخص وواجبي كصحافية أن أكتب هذا: حماس لا ترغب فقط في إنجاز استراتيجي يمكن تحويله إلى إنجاز سياسي لإنهاء الحصار، بل ترغب في خلق رواية فلسطينية يكون فيها الدم الإسرائيلي هو المقياس الوحيد للنصر. أو بكلمات أخرى: تخلق حماس آلات قتل أوتوماتيكية، تحت غطاء الخطاب الوطني الفلسطيني.

הכוח הכחול

تحرري الوطني

إلى حماس ومؤيديه وأولئك منا الذين يخشون ويتلعثمون لأنه من "المعقد" التحدث علناً الآن، أريد أن أقول لكم إن سردية النصر والتحرر الوطني لي ولبنات وأبناء شعبي لا تشمل سيارة جيب مسرعة في شوارع غزة وعلى مقدمتها امرأة يهودية نصف عارية! كما أنها لا تشمل إجبار امرأة يهودية تجاوزت السبعين من عمرها على أداء إشارة النصر بيدها بالقوة، فقط لأن يمكننا، تمامًا مثل جنود الاحتلال والمستوطنين!

إن مشروعي للتحرر الوطني لا يتضمن مصطلحات همجية تصف أسيرات الحرب الإسرائيليات بأنهن "إماء" لمجرد أنهن يهوديات! وبالتأكيد لا يتضمن عبارات مثل "أسرقوا كل شيء، الأبواب، وحتى المرحاض في الحمام" لأن سرقة ونهب العائلات اليهودية تمام ومشروع!

وللإسرائيليين الذين يطالبون بتسطيح غزة، سأقول على الفور، تذكروا أن هذا الوعي – ومن المحزن أن نقول – الذي ذاق طعم الدم الإسرائيلي يوم السبت، لن يعود أبدا إلى الانهزامية. سيُخترق جدار الفصل مراراً وتكراراً، ولن يقف شيء أمام مقاتلي حماس الذين دخلوا بيوت الإسرائيليين وأطلقوا النار عليهم وأخرجوهم من نومهم وخربوا منازلهم. لن يقف شيء أمام وعي كسر حاجز الخوف والردع ويرى الأمل والخلاص في الدم اليهودي.

لا حماس، ولا جنود الاحتلال الذين سيسيرون قريباً في شوارع غزة، ولا طيارو الاحتلال الذين يقصفون غزة في هذه اللحظة يثيرون اهتمامي، على الرغم من أنني أعلم أن حياتنا كفلسطينيين لا تسوى شيئاً في نظرهم. أنا مهتمة بشعبي الفلسطيني، ومطلبه العادل بالحرية، ولذلك لا بد من القول – ربما بصوت مكسور ومتألم ومرتعش، ولكن بصوت واضح، أننا نحن الفلسطينيون سفكنا هذه الدماء.

الفلسطينيون الأعزاء، أخبروا أنفسكم بما تريدون واهربوا من الأسئلة الأخلاقية الصعبة وتستّروا واكتبوا منشورات عامة وقارنوا قتلهم بقتلنا. قوموا بكل الحيل الخطابية لتبرير الفظائع، تماماً كما يفعل العديد من الإسرائيليين في مواجهة الفظائع في غزة. وعندما لا تنجحون وينفجر القلب حزنا وانكسارا، بعد أن يدرك أنه لا يوجد عذر في العالم يمكن أن يبرر هذا النوع من القتل، ستعرفون أنتم أيضا: تمرّغنا بدماء الإسرائيليين وتحررنا الوطني لا يمر بدمائهم.

English and Hebrew Version

תגובות

כתיבת תגובה

האימייל לא יוצג באתר. שדות החובה מסומנים *

מה עוד מעניין אותך היום?

לראות את התמונה המלאה

פעם בשבוע אנחנו שולחות מייל שמחבר בין הכתבות ומציע לך דיון פמיניסטי מורכב.  

הדיון הזה חייב להתקיים ואנחנו זקוקות לעזרתך כדי להמשיך אותו

גם במלחמה, התפקיד שלנו הוא להביא את הסיפור האנושי ולתת במה לקולות של הנשים שלא תשמעו בשום מקום אחר.